التغيير شجرة خير.. نتفيأ ظلالها، ونقطف منها ثماراً عامرة بالازدهار والارتقاء.
والإنسان بمضمون حياته يتنقل بين مراكب الحياة، فيحل بين جزر وغيرها، ومن طبيعة الحال أن تكون تلك الأحوال في صعـود ونهوض، ولا يتم ذلك إلاّ ببذرة التغيير الناشئة في فؤاد المرء، فيسعى إلى تنميتها ونشر كثافتها، فتشرق حياته بمفازة تلك المتغيرات الناشـطة، ولا يخبو الأمل المتفتق من طيات النفس أن يسعى بجد نحو الأمام. فلو تأمل أحدنا نجمة مضيئة في كبد السماء الحالكة، ألا يسري شعور طفيف في النفس بالرغبة إلى الوصول إليها، ومطاولة ارتقائها البديع؟!
ومع مرور الأيام تتأمل من جديد السماء، وترمق تلك النجمة بفتور وقد تطاولت همتك مجاوزة مكانها الذي تبرح فيه كل ذاك الزمان، ها هي بوادر التغيير تتماثل، ويتفجر نشاطها عن عنان البقاء في حالة التوقف، وتلتهب نيران متوقدة داخل القلب، فتدفع الجوارح والعقل إلى المسير قدماً، وبث شرارة التغيير بين الفينة والفينة. إن باب التغيير مرتع خصب وكبير، وثماره أكبر وأعظم.. فمن المحال أن ترتضي النفس المكوث في نقطتها مرتكزة عليها وقد تراكمت عليها أغبرة الزمن، ولا تحرك ساكناً لدفع ذلك الغبار المتراكم الناجم عن تكاسل وخمول.
فالتغيير ينبع من حياة نشطة تسري في البدن، وتدعو صاحبها كلما لزمت الحاجة إلى طرق باب التغيير، وهو باب مفتوح ومشروع للجميع، بل ويبشّ مهلّلاً ومرحباً بمقدم من يرجو التغيير، ومطامح البشر في نِسب حياتهم تتمخض في صعود وصعود، وهو التغيير المرتجى في تبدل حال إلى أفضل، وكل امرئ جُبل على محبة الأفضلية ومجاهدة النفس للرقي بها. التغيير ما هو إلاّ وسيلة تقودك إلى الأمل، ولكن مفتاحه بيدك أنت!! وبوسعك وفي أي لحظة أن تفتح هذا الكنز الثمين، وأن تشمر عن ساعد الجد، وبلسم الأمل لتنطلق نحو فضاء فسيح، يسنح لك من خلاله التقلب بين روائعه وآلائه، ومعالم التغيير لا تتضح إلاّ بقطف ثماره، وهي درجات تترى وتتعالى، وأنت ومبلغ همتك ومناط جدة تغييرك التي تسعى إلى الوصول إلى مآلها المستقبلي. فلتشعل شمعتك وتنر دربك خير من السير في دروب الظلام. ونماذج زاهرة تعج في زماننا كانت نقطة تحولهم تغييراً جذرياً يسعى إلى الجد ومراقي الطموح.. فذاك موظف في مكتبة جامعية لا يعدو دوره ترقيم الكتب وتصفيفها وتدوين شتاتها بين سجلات الدفاتر، وبين لحظة وأخرى انطلق في غمار الحياة، ونبتت بذرة التغيير في قلبه، وهو الآن أستاذ جامعي في الكلية التي كان يعمل فيها موظفاً مكتبياً!!
ولنقف معاً وقفة جادة ونتساءل: ما الذي دفعه إلى هذا التحول الكبير في حياته، وذلل صعوبات قاسية لا تُطاق، سوى سريان شعور التغيير في البدن نحو الأفضل والأمثل؟! ولو أفسح لنا المقال أن نستعرض نماذج ذات صلة لضاق الحال، واحتجنا إلى مجلدات وكتب، فقد كانت شرارة ذلك التحول هو تغيير طرأ فجأة، فكانت مسيرة حياة تتبدل نحو جهات مغايرة ذات حسن وبهاء.
فالإنسان إذا تصاغر على نفسه وانطوى على حاله التي نشأت عليه ذاته فإن ذلك يؤول إلى تحطيم قدرات وهدر إمكانيات تثور في النفس وتنمو، وما نرومه هنا التغيير الإيجابي الزاهر. فحياته كمؤشر فجماله في غدوه مرتفعاً قد طاول عنان السماء، ولم يبرح مكانه وتركن نفسه إلى الدعة والخمول. فالهدف منه واضح وصريح ولا يحتاج منا إلى تفكير عميق، فهو عامل هام لتطوير النفس ورقيها والسمو بها إلى أعلى مراتبها التي ترقى إليها، وتنمية جوانب الذات وتطوير الفكر وزرع الرغد للمستقبل القصي القادم.
والتغيير ضوء يسري ويكشف جوانب القدرات الكامنة في النفس خير من هدرها وضياع منفعتها. و( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ).
الرئيسية 
